Friday, October 28, 2011

As-Safir Newspaper - صفحات مجهولة من حرب تموز كما يكشفها نبيه بري ويرويها علي حسن خليل الحلقة الأخيرة


السفير
بري يقنع السنيورة بزيارة الضاحية… ويبلغ كوفي أنان قرار الأسد إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان أمير قطر في بيروت يخاطب حمد بن جاسم: لأنك تتعاطى براحة مع الإسرائيلي.. اطرح فكرة التسوية!
صفحات مجهولة من حرب تموز كما يكشفها نبيه بري ويرويها علي حسن خليل الحلقة الأخيرة

image بري ونصر الله بحضور الخليلين image مهرجان النصر في الضاحية في ٢٢ أيلول ٢٠٠٦ (م.ع.م)
يا أهل النصر، لقد أصبح جرحكم يقطر ورداً، الغيم فوق أكتاف العائدين والرماد تحت أقدامهم، وكم هو طيب شلال الناس الذي حوّل الحرب إلى ملتقى حب، فالمطارح ما عادت هي هي، لكن شاغليها وضّبوا لها سريعاً ملف ذكرى، عمره لا يتجاوز شهرا بكثير وراحوا ينقبون بين البيوت المدمرة عن أقاصيص طرية.. ومقتنيات محطمة.. بالأمس كانت هنا.. يملكون الدنيا لدى عثورهم على صورة للعائلة.. على مكاتيب محترقة، أو على لعبة طفل عاشت بين الدمار تدمع لغياب من كان يلهو بها. كرنفال رجوع شارك فيه صغير وأمير، ومن فرط ميلنا الى تقاسم طعم النصر، دعونا الى عصرنا الجديد من غامر بنا وتوقع لنا مصيراً من رماد. لم نكن على مستوى تصفية الحسابات السياسية وسقطنا في لعبة الاحتكار وبالغنا في صناعة أبطال من ورق، لكن العتب كان مرفوعاً والدين السياسي ليس ممنوعاً وكلنا شركاء اللحظة لأن لنا عدواً واحداً ما يزال مفتوح الجبهة، يحاصر سماءنا وبحرنا ويطوق برنا. آب النصر لم يتسع لنا وتحركت الريح داخل الروح لتشير للآخرين كي يلحقوا بنا الى حيث الدم لا يصبح ماء، والتراب يمجد من صاروا تحت التراب، والشاهق من البناء يمد يد العون لجاره المدمر، تلك كانت رؤيتنا للحجر فكيف للبشر ممن هم أصحاب شأن ومنصب، والذين اعتقدنا أنهم كانوا في لحظة تخلٍ غررت بتقديراتهم السياسية، ووصية الله اليوم علينا وصل الأرحام. ومن حبل السرة، سيقرع الغياب باب الحضور، فقد تعب الشوق من الانتظار، وسلة التين والعنب تنشد تحريرها من اليباس وقد تمردت على الأفواه واعتصمت تترقب لقاء من وضّبها بمن لم يتذوق حلوها بعد. وحاصداً غلة النصر، مكتسياً جديد العصور، يحمل بيمناه تاريخاً من شهر وبيسراه شوق العمر، مضى أمين السياسات التفاوضية للقاء السيد الأمين. لم نتخيل بل رأينا. لم نتذكر بل ما تزال اللحظة نابضة. فقدت العيون ميزة الرمش وظلت محدقة تستحرم الومضة لأن حرارة التلاقي قتلت اليابس وغزلت الأخضر. لقاء السيد ـ الرئيس جاء موشحاً متفتحاً مضيئاً كشمع في دير، تسكنه حرارة الارض وقد وزع فائضاً على موج البحر. سلام هو مصافحة أو عناق بل وكأننا أمام غيمة حبست مطرها في انتظار البرق. لا أذكر أني عاينت مشهداً مماثلاً وثّق لإعلان موسم الحصاد المقاوم وارتفعت معه سنابل القمح ممتنة لقتل عصر الجفاف. شكلت تلك اللحظة ورقة من أوراق صفحات لم تعد مجهولة، لم تكتب إلا لدرء خطر التأويل ولم تكن عبارة عن مواقف سياسية استهوينا تسجيلها. سنضع اليوم نقطة على سطر تلك الصفحات مع احتفاظنا بكلمات ظلت بين السطور، لكن تاريخاً ورقياً جديداً سيعيد إيقاظها من دفاتر الايام. أصبح لليوميات بعد الآن سياق آخر نتجاوزه لنطل على المشهد بشكل عام وتطوره بعدما تداخلت أحداث كثيرة، الثابت فيها أننا دخلنا المواجهة السياسية الجديدة، وكانت عشرات اللقاءات الداخلية مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط وقوى عدة في 14 آذار، أخذت النقاشات فيها أبعاداً كثيرة لكل منها محضر خاص لتاريخ آخر. ولكن الهاجس عندنا بقي كيفية المحافظة على مشهد الوحدة الوطنية ومنعه من الاختلال، وأن لا نسمح لعدونا أن يحول هزيمته بإرادتنا كلبنانيين إلى نصر. لهذا سنرى الرئيس نبيه بري في محطات كثيرة يصر على التواصل والمشاركة وتخفيف الهواجس والتركيز على العوامل المشتركة، فالمعركة مع العدو الاسرائيلي ما زالت مفتوحة، وهو عدو كاف لكي نتوحد من أجله كما يردد دوماً. كان لقاء الرئيس بري مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي عبّر عن حماسة واندفاع في إتمام مهمة الانتشار جنوباً، وبرؤية مطمئنة جعلت الرئيس بري يتعاهد معه على التعاون إلى أقصى حد، وكان حاسماً في الرد على من يحاولون استغلال الانتشار العسكري لحسابات داخلية. جرى تواصل بين الرئيس بري والرئيس السنيورة، بهدف تشجيع الثاني تحت عنوان المصلحة العامة لكي يزور الضاحية الجنوبية برفقته وهو يعرف تماماً مشاعر الناس هناك، لكن المصلحة الوطنية دفعت لأمر أشبه ما يكون بمغامرة لم تخلُ من بعض المناكفات التي واجهها الرئيس بري بحزم لاقى تجاوباً حتى من الذين يعتبرون أنفسهم مصابين بسياسة السنيورة في تلك الأيام. وبعدها كانت الزيارة الخاصة لأمير قطر التي رتبت على أساس أن يلتقي الرؤساء الثلاثة كلا على حدة، ولكن الرئيس بري أصر على أن يكون هناك لقاء موحد يبدأ بالاستقبال في المطار مروراً باللقاء في القصر الجمهوري ثم زيارة الضاحية وهذا ما حصل، وخلالها نقل الأمير دعوة إلى الرئيس السنيورة لزيارة سوريا فوعد بتلبيتها، علماً أن الرئيس بري نقل إليه الدعوة نفسها في وقت سابق ولم يبادلها بإيجابية لأن الزمن كان يومها زمن القرار 1680. في السيارة التي أقلت أمير قطر والرؤساء الثلاثة، وكان برفقتهم أيضاً وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، حصل نقاش حول فرصة فتح ملف أزمة الشرق الأوسط وإمكان إجراء تسوية شاملة، فقال الشيخ حمد بن خليفة إنه يمكن البحث مع إسرائيل في الأمر وأضاف إن اللبناني الذي يبحث هذا الأمر يكون خائناً، والتفت إلى حمد بن جاسم وقال: يعرفون أنك المؤهل «لأنك تتعاطى براحة مع إسرائيل».. وأنك الوسيط الأفضل. نقل حمد بن جاسم جانباً للرئيس بري أن هناك حاجة جدية لكي يبقى موقف الحكومة اللبنانية موحداً لأن هناك محاولة لاستصدار قرار جديد يتعلق بنزع سلاح «حزب الله»، كما فتح موضوع مشاركة قطر بمئتي جندي في قوات «اليونيفيل». توالت الأيام ومعها عشرات اللقاءات والاتصالات ومنها أول لقاء مطول بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري بحضور مستشاره هاني حمود وبحضوري وحصل فيه نقاش حول المرحلة الماضية وآفاق المستقبل وإمكانيات التعاون، وقد حاول الرئيس بري أن يؤسس لصيغة نتجاوز فيها ما حصل خلال الحرب لكن الأمور بقيت في حدود التمنيات ولم تترجم في الأيام المقبلة إلى مشاريع عمل وتعاون. كوفي أنان في بيروت «والسيد» مستعد للاجتماع به.. ولكن في هذا الوقت اتضحت صورة الموقف الأوروبي وحماسته للمشاركة في قوات «اليونيفيل»، وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي يستعد للمجيء إلى المنطقة أنها غير معنية بموضوع نزع سلاح «حزب الله» ولا بالانتشار على الحدود اللبنانية ـ السورية إلا إذا طلبت الحكومة اللبنانية ذلك. كانت إسرائيل تشدد حصارها على المرافئ اللبنانية لتصبح هذه القضية محور التحركات والمواقف الداخلية والخارجية. وقبل وصول أنان إلى بيروت، تحدث السيد حسن نصر الله في 27 آب إلى تلفزيون «الجديد» وقال لسنا متوجهين إلى جولة ثانية في الحرب برغم التهويل الإسرائيلي وإننا اتخذنا قراراً بضبط النفس وعدم السماح للإسرائيلي باستدراجنا وسنساند الجيش اللبناني ونساعده على القيام بمهامه ولن نقوم بأي شيء يؤدي إلى إحراجه ولا إشكال لنا مع «اليونيفيل» ومهمتها، وأكد أن لا مشكلة لديه في لقاء كوفي أنان سوى الترتيبات الأمنية، وأشار إلى أن التفاوض حول الأسيرين ما زال عند الرئيس نبيه بري وهو الجهة المخولة المناقشة والمفاوضة والوصول إلى النتيجة المطلوبة. في 28/8 استقبل الرئيس بري الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وفريق عمله، وقد أكد أنان الكلام المكرر على لسان ممثليه حول ضرورة تنفيذ القرار 1701 واحترام «الخط الأزرق» وعدم وجود أي سلاح في منطقة انتشار قوات الطوارئ وأنه سيساعد على فك الحصار عن المرافئ اللبنانية وحل موضوع الأسرى وسيقوم بجولة في المنطقة ليرى ما يمكن فعله في موضوع مزارع شبعا. أكد له الرئيس بري، في المقابل، أن لبنان مع تحفظاته، التزم بتطبيق الـقرار 1701 بعدما وافق بإجماع الحكومة وأرسل الجيش اللبناني، لكن إسرائيل هل التي تعرقل بهجماتها التي تشكل خرقاً فاضحاً خصوصاً في البقاع ومن خلال الحصار الذي لم يعد يحتمل، وقال «سأقوم شخصياً بتحرك موسع من أجل فك الحصار وعليك أن تدلني يا سيادة الأمين العام على البند الوارد في الـ1701 والذي يتحدث عن حصار من أي شكل، وأعلم أنه من حقنا وفق تفاهم نيسان 1996 أن نقوم بعمليات ضد قوات الاحتلال ما دامت في أرضنا ومع ذلك، نحن لا نفعل ذلك تسهيلاً منا لتنفيذ القرار لكن هذا لن يبقى إلى ما لا نهاية. أما في موضوع مزارع شبعا، فمن كلف إسرائيل أن تحل مكاننا ومكان سوريا وتحتل الأرض، لنفترض أن سوريا تدعي الملكية فما علاقة إسرائيل بالأمر، نحن طالبنا بأن تكون الأمم المتحدة موجودة ريثما يتم الترسيم والتحديد ويكون أهل المنطقة فيها وهذا أسهل الحلول. طلب أنان خلوة خاصة بينه وبين الرئيس بري، سأل فيها: هل تعتقد أن «حزب الله» يقبل بتسليم الأسرى الإسرائيليين إلينا وبعد ذلك بشهر يتم تسليم اللبنانيين على ضمانتنا. رد الرئيس بري: لا أعتقد أبداً أن هذا ممكن، المطلوب مفاوضات حول الصفقة ومن خلالها تحدد الآليات. سأل أنان: هل تعتقد أن سوريا يمكن أن توافق على التبادل الدبلوماسي مع لبنان؟ رد بري: السوري ومنذ وقت طويل وعلى لسان الرئيس بشار الأسد قال إنه مع علاقات دبلوماسية. والتقى أنان بعدها الوزير محمد فنيش واستمع إلى وجهة نظر «حزب الله» حول الموقف من القرار 1701. بري يعتصم في مجلس النواب ضد الحصار كانت مواقف إسرائيل قد أعلنت رسمياً استمرار الحصار وهذا ما نقله مندوبو الأمين العام للأمم المتحدة، وكان واضحاً التبني الأميركي لهذا الموقف في محاولة استثمار سياسي له للدفع باتجاه مفاوضات مباشرة بين إسرائيل ولبنان، وشكل وضوح الموقف هذا رداً على بعض الداخل الذين سوّقوا للإسراع في تقديم التزامات على اعتبار أن فك الحصار هو تحصيل حاصل وهذا ما بقي يعتبره الرئيس السنيورة «مسألة أيام». كانت مناسبة ذكرى إخفاء الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه في 31 آب 2006 استثنائية في الزمان والمكان حيث تم التأكيد من خلال مئات الآلاف الذين شاركوا على إرادة الحياة والانتصار على الرغم من الدمار والدم والإصرار على أن الوجهة هي الجنوب. في خطابه بالمناسبة، دعا الرئيس بري إلى اعتصام نيابي مفتوح في المجلس النيابي حتى فك الحصار الجوي والبحري الاسرائيلي، كما دعا الحكومة إلى تسيير رحلات جوية إلى المطار والدول الصديقة والشقيقة إلى تسيير رحلات جوية وبحرية إلى الموانئ اللبنانية، كما أكد الوقوف إلى جانب الحكومة في تنفيذ القرار 1701 وتمكين الجيش من القيام بمهامه، وعلى حقنا الثابت في المقاومة حتى تحرير كامل أرضنا. وقال: باسمي وباسم أخي المجاهد سماحة السيد حسن نصر الله وباسم القوى التي تؤمن بمشروع المقاومة سنقوم من خلال الحوار بإنجاز استراتيجية دفاعية للبنان. صباح السبت في 2/9 / 2006 كان الرئيس بري قد جمع أغراضه الخاصة في حقيبة ونزل باكراً إلى مبنى مجلس النواب في ساحة النجمة حيث تواجد نواب من مختلف الكتل النيابية توزعوا في غرف ومكاتب جناح الرئاسة واستقروا هناك يتناوبون الدوام في الليل والنهار، والثابت في البقاء الرئيس بري الذي حجز مكان نومه في إحدى زوايا الصالون الكبير الملحق بمكتبه. بدأت حركة اتصالات واسعة من خلال لجان توزعت على سفارات الدول الخمس الكبرى والدول العربية التي ترتبط بعلاقات مختلفة مع إسرائيل ومع اللجنة العربية الثلاثية ووزير خارجية قطر، وكانت ردود الفعل مختلفة مشجعة بمعظمها للخطوة، لكن الأميركي نصح بعدم اللجوء إلى مجلس الأمن بعكس الفرنسي الذي أيد الأمر كما البريطاني، أما الصين فاعتبرت الحصار ضد القرار 1701 والروسي عبّر عن تضامنه ولكنه لم يعط موقفاً من اللجوء إلى مجلس الأمن، الأمر الذي عارضه أيضاً ممثل الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون. في اللقاءات اليومية مع الرئيس فؤاد السنيورة تبين أن هناك من يدفع، وتحت عنوان المساعدة على فك الحصار، نحو توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة يطلب فيها لبنان من مجلس الأمن أن تقوم «اليونيفيل» بالمراقبة البحرية وهذا ما تطلب وقتاً طويلاً، ولقد حاول الرئيس السنيورة كثيراً إقناع الرئيس بري وأرسل مستشاره د. محمد شطح مرتين لنقاش المسألة ولم يتم الاتفاق. وتقرر في جلسة نيابية موسعة أن تقدم الحكومة شكوى إلى مجلس الأمن من دون أن تطلب انعقاده. بعدها حصل نقاش في المجلس ولاحقاً داخل الحكومة حول كيفية التعاطي مع مجلس الأمن والطلب منه واتخذ قرار بهذا الشأن لم يكن موضع إجماع. وجد اعتصام المجلس النيابي صدى واسعاً وترك تأثيراً كبيراً على الرأي العام الخارجي وحصلت مشاركات واسعة من شخصيات عربية ودولية ألقت خطباً ورسائل تضامن وحصلت تحركات مؤيدة، عمالية وشعبية وعلى مستوى الفاعليات المختلفة، واستقبل الرئيس بري في المجلس وفوداً عدة حتى يوم الأربعاء في السادس من أيلول حيث تبلغنا أن الحصار الجوي سيُرفع ابتداءً من يوم غد الخميس (7 ايلول). في هذا اليوم، التقى الرئيس بري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكان تركيز على الاستفادة من الأجواء الحاصلة لمتابعة موضوع مزارع شبعا وحل قضيتها. وعند الساعة السادسة مساء وفي أجواء احتفالية داخل المجلس النيابي وخارجه حيث حلقت طائرة الميدل إيست دائرياً فوقه معلنة فك الحصار، كنا نطوي صفحة أخرى من صفحات المواجهة الطويلة والقاسية مع العدو الذي حاول أن يميز في البحر من خلال تأخير عملية فك الحصار البحري يومين آخرين. لقاء بري ـ نصر الله : لقاء لا يشبه أكبر القمم جمع الرئيس بري أغراضه بعدما استطاع أن يكمل ما بدأه خلال الحرب في ممارسة كل أنواع الضغوط السياسية والإعلامية على العدو لإفشال مخططاته، وعاد إلى حيث تنتظره ومعه كل اللبنانيين جولات كثيرة فيها مع الداخل ما ســيكون ربما أصعب بكثير مما كان مع عدو الخارج… أيام ما بعد وقف إطلاق النار، اختصرت أسطرها لكن محاضرها محفوظة، وروايتها لن تبدل في السياق الذي عشناه حروباً من أنواع مختلفة خلال 33 يوماً كان فيها ظلم ذوي القربى أشد مضاضة. خاتمة أيامنا في بداية الايام العشرة الأواخر من هذا الشهر، يوم ركبنا سيارة واحدة، الرئيس بري والحاج حسين الخليل وأنا باتجاه الضاحية، التي كنت يومياً في فترة ما بعد الحرب أتواجد فيها، بين ناسها وشوارعها، لكنني كنت أراها بشكل مختلف في تلك اللحظات حيث تحضر مع مشهد كل بناية مدمرة محطة كانت ترويها عيوننا الست الباحثة عن الحياة الجديدة التي رُسمت مع الانتصار. بانتظام دقيق وبلا إشعار مميز فُتح باب ملجأ إحدى البنايات المرتفعة بين شقيقاتها الرابضات على الأرض، شعرنا أننا نجول في معرض تشكيلي قبل أن يأخذنا أحد المصاعد إلى الطبقة الخامسة، يفتح الباب، نخرج على باب شقة متواضعة، وإذا بالسيد حسن واقفاً منتظرا، تسمرت مكاني، تقدم الرئيس والسيد معاً.. تعانقا، غمرا بعضهما، أنا الذي حضرت ربما كل اللقاءات منذ أصبح السيد نصر الله أميناً عاماً للحزب حتى ذاك الاجتماع، شعرت أنني أمام مشهد آخر لا يشبه أية لقاءات أو قمم. بقيت والحاج حسين الخليل مكاننا ننظر إلى شخصين يتعانقان. اليد باليد والكتف على الكتف والعيون تحكي قصة الحرب والصمود في لحظات خاطفة.. سلام فيه الكثير من الخصوصية والقليل من الكلام.. فيه السؤال تحول الى نظرة والجواب الى إيماءة تختصر كل أجوبة العالم. يطول الحديث على عشاء لم يكسر فيه السيد لائحة الطعام الذي تعودناه في اللقاءات المتعددة بما فيه تلك «الفراكة» التي «عزت أيام الحرب.. وأكواز من الرمان الجنوبي» كما قال. لقاء فيه حلاوة ومرارة، تاريخ وقراءة حاضر واستقراء مستقبل وكثير من العض على الجرح الذي كاد ينفر كلاما من السيد يوم غد يضع فيه نصاب موقف ربما لم يحن زمانه كما قال الرئيس بري، وتمنى ان يبقيه لوقته الذي استحــق بعد شهور وللقاء محضر خاص مع محاضر علاقة تجذرت بين حركة وحزب ورئيس وسيد حتى وصلت إلى ما نحن عليه وأعطــت قـوة للوطن ووحدته ومناعته. ما يقال عن اللقاء إن الرئيس بري نصح السيد نصر الله يومها أن ينتبه من الظهور في احتفال النصر. كان خائفاً من غدر إسرائيل، لكنه عندما رأى إصرار السيد قال له: أمام حق الناس علينا.. لن أقول لك يا سماحة السيد إلا أن الله هو الحامي.
قال.. في السياسة نعم نحن انتصرنا يا سيد، والعالم لن يستطيع أن ينكر هذا وربما يحتفل به، ولكن في لبنان هناك من يصر على التنظير لمنطق الهزيمة ولا يريدك أن تكون في مظهر المنتصر.
هو ما قاله الرئيس بري في الحلقة الأولى نفسه من صفحات مجهولة من يوميات حرب تموز، أن لا نفرح بالانتصار لأنه أكبر من أن يهضمه بعض اللبنانيين الذين تعودوا الهزيمة.

رجوع
    20%
    18%
    11%
    8%     7%

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 

 
 
 
 
 

جريدة-e





 
 
 

View full page: www.assafir.com/article.aspx?EditionId=1991&ChannelId=47108&ArticleId=3213

Generated by Instapaper's Text engine, which transforms web pages for easy text reading on mobile devices.


Original Page: http://www.assafir.com/article.aspx?EditionId=1991&ChannelId=47108&ArticleId=3213