Tuesday, September 4, 2012

حلف الفضول هو الحل – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي


حلف الفضول هو الحل – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي

blogspot.com

صحيفة الوطن الكويتيه الثلاثاء  17 شوال 1433 – 4 سبتمبر 2012
حلف الفضول هو الحل – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
لا تستطيع مصر ان تحتمل طويلا استمرار الحرب الأهلية الباردة الدائرة على أراضيها بين قبائلها السياسية التي باتت أخطر معوقات اقامة نظامها الجديد،
وأرى لذلك حلا يتمثل في استدعاء صيغة «حلف الفضول» علّها تخرجنا من المأزق.

-1
أكاد أرى تشابها بين الحاصل في مصر بعد الثورة وبين حروب ملوك الطوائف في الأندلس قبل أكثر من ألف عام،
 ذلك أنه حينذاك (عام 422 هجرية) أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية، فتسابق أمراء الولايات على اقامة ممالك مستقلة لهم مستفيدين من ثراء الخلافة وانفراط عقدها،
وكانت النتيجة أن قامت على أرض الأندلس 23 دويلة تحول التنافس بينها إلى تنازع واحتراب، وقد استمر ذلك الصراع بين الأشقاء، وطال أجله في الوقت الذي كانت فيه جيوش الفرنجة في الشمال تتربص بهم، تحت قيادة الملك ألفونسو السادس وزوجته ايزابيلا،
الصراع أضعف ملوك الطوائف، الذين حاول بعضهم الاستقواء بالفرنجة ضد أشقائه، وانتهى الأمر بهزيمة الجميع وسقوط الأندلس في أيدي الفرنجة.
من المصادفات ان عدد الدويلات التي قامت في الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية (22 دويلة) قريب من عدد الأحزاب والجماعات السياسية التي تبلورت بعد سقوط النظام السابق في أكثر من 20 حزبا،
وإذا كان ملوك الطوائف تقاتلوا فيما بينهم بالسلاح، ومنهم من حاول الاستقواء بالفرنجة، فان الصراع في مصر بات يدور في ساحة الاعلام، التي هي أقوى تأثيرا،
ومن بين زعماء طوائفنا من لجأ إلى الاستعانة بفلول النظام السابق لكي يرجح كفته في مواجهة المنافسين، وكان ذلك واضحا في انتخابات رئاسة الجمهورية، وشهدناه في سعي بعض الأحزاب الجديدة إلى جذب عناصر الحزب الوطنى سيئ الذكر.
من الفروق المهمة بين التجربتين أننا عرفنا ما الذي انتهى اليه الأمر في الأندلس، لكن اقتتال الطوائف عندنا لايزال مستمرا ولا نعرف له نهاية،
وان كانت خبرة التاريخ تدلنا وتحذرنا من النهاية التي تؤدى إلى هزيمة الجميع وضياع الوطن.

-2 
إذا اقتربنا أكثر من تفاصيل الواقع المصرى فسنجد ان علاقات القوى السياسية تعاني من مشكلتين أساسيتين،
الأولى تتمثل في أزمة الثقة سواء بين الأحزاب بعضها البعض، أو بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، وهي الأزمة التي ولدت سوء ظن كل طرف بالآخر،
أما المشكلة الثانية فتتمثل في غياب الاجماع الوطني حول القضايا الأساسية، حتى بدا وكأن ثمة خلافا في أصول المشروع الوطني وليس في فروعه، وهو ما تبدى في الخلاف حول هوية الدولة ذاتها، وهل تكون دينية أو مدنية.
في تتبع جذور الأزمة سنكرر ما سبق ان قلناه من ان النظام السابق حين دمر القوى السياسية وأصابها بالاخصاء والاعاقة، فانه لم يمنع بينها وبين المشاركة في الشأن السياسي فحسب، وانما حرم تلك القوى من ان تعمل مع بعضها البعض، الأمر الذي أثر بالسلب على الثقة والمعرفة المتبادلة،
وفي غيبة ثقافة الممارسة الديموقراطية لم يكن غريبا ولا مفاجئا ان يتوجس كل طرف من الآخر، وأن تصبح شيطنة كل منهم ازاء الآخر هي الأصل والأساس، وما عرضته في الأسبوع الماضي نموذج لذلك، حين بينت ان نصيب الأوهام من مخاوف الأقباط في الوقت الراهن أكبر بكثير من حصة الحقائق، والحاصل بين الأقباط والمسلمين ليس مختلفا كثيرا عن الحاصل بين القوى السياسية المختلفة، اذ الفجوة واحدة وغربة كل طرف عن الآخر أيضا واحدة.
ليس ذلك كل ما في الأمر، لأن حروب الطوائف السياسية المصرية تأثرت بعاملين مهمين، هما:
فتنة القسمة بين الديني والمدني
وخطاب التيارات الإسلامية الذي أصبح يشكل عقبة دون تحقيق التوافق المنشود والثقة المرجوة.
لا أعرف من الذي أطلق شرارة الفتنة، لكني أجد القسمة بين الديني والمدني من الخطورة بمكان،
من ناحية لأنها أقحمت الهوية الدينية في الصراع، في حين يفترض ان محور الخلاف هو الرؤية السياسية،
ومن ناحية ثانية فان القسمة اختزلت أزمة الثقة وعبرت عن سوء الظن، فعبرت مقدما عن تقدير القوى المدنية وتصويرها بحسبانها طليعة التقدم، وأوحت بتصنيف القوى الدينية باعتبارها نقيض ذلك وهي إلى التخلف أقرب،
وذلك تقسيم مشكوك في براءته ومطعون في صوابه من الناحيتين النظرية والعلمية.
سوء النية واضح في صياغة المصطلح، الذي يمثل دعوة مبطنة إلى اضفاء الجاذبية والاشراق على طرف، وحث على النفور والانفضاض من حول الطرف الآخر،
 في الوقت ذاته فالمصطلح مغلوط من الناحية النظرية لأن ما هو مدني بمعنى أنه مؤسسي وموكول إلى ارادة البشر يمكن ان تكون له مرجعيته الدينية كما يمكن ان يكون له جذوره العلمانية،
والحضارة الإسلامية بكل جلالها وثرائها كانت لها مرجعيتها الدينية، كما ان نظام الوقف، الذي هو ابتكار إسلامي صرف، ليس سوى عمل مدني يحقق المصالح الدنيوية التي تنفع الخلق، لكنه ينطلق من ابتغاء وجه الله تعالى واستجلاب رضاه،
وقبل ان يستخدم المصطلح في تلغيم الساحة السياسية في مصر، كنت قد كتبت مقالا نشره الأهرام قبل عشرين عاما في الدفاع عن المجتمع المدني،
وفي وقت لاحق أعلن عن تأسيس حزب الوسط باعتباره حزبا مدنيا بمرجعية إسلامية، لكن الذين روجوا للمصطلح أخيرا خلطوا الأوراق، وأرادوا استخدامه في اقصاء التيارات الإسلامية والكيد لها والتخويف من تأثيرها الذي افترضوه سلبيا على هوية الدولة والمجتمع.

-3
ما قلته بخصوص الخطاب الإسلامي وكونه أصبح يشكل عقبة تحول دون تحقيق التوافق المنشود يحتاج إلى ضبط وتحرير،
اذ أرجو ألا أكون بحاجة إلى القول بأنني لا أتهم الخطاب الإسلامي ولا أنتقص من قدره، ولكنني أسجل ملاحظاتي على أولويات وملاءمات ذلك الخطاب،
اذ ليس مطلوبا من الإسلاميين ان يتنازلوا عن مشروعهم، وانما عليهم ان يدركوا أنهم ليسوا وحدهم في الساحة، وأن البلد تسع آخرين إلى جوارهم،
وبالتالي فيتعين عليهم ان يضعوا هؤلاء في حسبانهم، وأن يبحثوا عن نقاط الالتقاء معهم فيقدمونها على نقاط التقاطع والاختلاف.
استأذن في توضيح فكرتي باستعادة كلام قلته أخيرا في لقاءات مع بعض الناشطين من الاخوان والسلفيين وهو يتركز في النقاط التالية:

-
ان وحدة الجماعة الوطنية ينبغي ان تحظى بالأولوية بشكل عام، وفي الظروف الراهنة بوجه أخص،
وفي القرآن نموذج يؤيد هذه الفكرة، فيما ورد بسورة طه، التي تحدثت عن النبيين موسى وهارون، وكيف ان موسى غاب عن قومه لبعض الوقت وتركهم في عهدة أخيه هارون، ولكن القوم فتنوا وعبدوا العجل من دون الله في غيابه، وحين عنفه النبي موسى بعد عودته، فكان رده حسب النص الوارد في الآية: 94 من السورة
{ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }
 ، وهي واقعة قدمت فيها وحدة القوم على ما أصابهم من خلل في اعتقادهم، ومن ثم احتمل الشرك المؤقت كي لا ينفرط عقد الجماعة وينشق صفها.

-
انني من حيث المبدأ ضد فكرة تطبيق الشريعة بقرار فوقي من السلطة أيا كانت، وأفضل ألا تتم الا من خلال اجماع وطني وشعبي، بحيث يقام البنيان فيها من القاعدة إلى القمة وليس العكس،
علما بأن التوفيق لم يحالف التطبيقات التي فرضتها من خلال موسسات السلطة، الأمر الذي أدى إلى تشويه الشريعة والاساءة اليها.

-
ان المجتمع المصري ليس مهيأ لتطبيق أحكام الشريعة لأسباب يطول شرحها، في مقدمتها ان التطبيقات المعاصرة لها ليست جاذبة في حدها الأدنى، فضلا على ان المجتمع الذي لا يستطيع أحد ان يشكك في إسلامه،
 لم يختبر دعاة تحكيم الشريعة في الوقت الراهن، خصوصا ان أغلبهم لجأ إلى وعظ الناس بأكثر من لجوئه إلى خدمتهم ورعاية مصالح ضعفائهم،
ولا يكفي في هذا الصدد ان تكون الأغلبية الشعبية في صف تطبيق الشريعة، لأن الأمر ليس كذلك بالنسبة للنخب المهيمنة على الواجهات السياسية والاعلامية، وهذه لا ينبغي تجاهلها أو التقليل من شأنها.

-
إن الكلام عن احياء الخلافة الإسلامية يبسط الأمور أكثر مما ينبغي، ومن المنادين بذلك من يعمد إلى رفع السقف والمزايدة على الجميع،
 اذ على الرغم من ان الخلافة الراشدة تمثل صفحة ناصعة في التاريخ الإسلامي فاننا نعلم ان الإسلام لم يقرر شكلا معينا للحكم، ولكنه دعا إلى قيم ومبادئ معينة يتعين ان يلتزم بها كل نظام يريد ان ينسب نفسه إلى الإسلام، أيا كان الشكل الذي اختاره.

-
إذا كان تطبيق الشريعة يعد الهدف الاسمى والحد الأقصى، وإذا كان المجتمع ونخبه ليسوا على استعداد للقبول بذلك في الوقت الراهن،
وإذا كان ذلك التطبيق لا ينبغي ان يتم بقرار فوقي أو باصرار فريق بذاته، فلا مفر من بحث عن حل يخرج المجتمع من الأزمة، وهو ما أجده في فكرة حلف الفضول الذي له شهرة خاصة في التاريخ العربي.

-4
تتحدث كتب التراث عن أنه قبل عشرين سنة من ظهور الإسلام عقد وجهاء قريش حلفا فيما بينهم تعهدوا فيه كما يذكر ابن هشام بألا يجدوا بمكة مظلوما دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته،
وقد وصفه ابن كثير بأنه أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب،
وقال عنه النبي عليه الصلاة والسلام «لو دعيت اليه في الإسلام لأجبت».
نحن لا نريد الآن نصوصا على تطبيق الشريعة تثير شقاقا أو مخاوفا في المجتمع، ولا مشروعا «للنهضة» يدغدغ مشاعرنا ويجعلنا نسبح في الفضاء البعيد، ولا كلاما عن الخلافة يمثل استحضارا للماضي أو بكاء على طلاله،
ورغم أنني لست ضد شيء من كل ذلك، واحترم ما تعبر عنه، فانني أتحدث عن أهداف أكثر تواضعا، توثق عرى المجتمع ولا تمزقها أو تشتتها،
وفي نفس الوقت تحقق مصالح الخلق وتأخذ بيد الضعفاء وتستدعي القادرين إلى ساحة الخير والنماء.
ليحتفظ كل فصيل بمشروعه وأحلامه إسلاميين كانوا أم علمانيين وليدعى أهل الغيرة إلى حلف يتوافقون فيه على ما لا يختلف عليه من أهداف مرحلية تتعلق بكرامة وعافية الوطن والمواطن، على ان تؤجل بقية الأهداف إلى طور آخر تتعزز فيه الثقة بين الجميع، بحيث يصبح بمقدورهم ان يقطعوا أشواطا أبعد في رحلة تأسيس النظام الجديد الذي يقيم حلم الثورة على الأرض، وإذا فشلوا في ذلك فان مصير ملوك الطوائف ينتظر الجميع.
……………

Original Page: http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2012/09/blog-post_4.html